تاريخ علم الأحياء

البدايات. في عصور ما قبل التاريخ، اكتسب الناس بالتدريج قدرًا كبيرًا من المعرفة العملية بعلم الأحياء؛ فقد تعلموا زرع أنواع كثيرة من النباتات، وترويض وتربية بعض الحيوانات. وفي العصور القديمة جمع أهالي الشرق الأوسط والصين والهند، مزيدًا من المعرفة بالنباتات والحيوانات. فعلى سبيل المثال، عرفوا كيف يستخدمون العديد من النباتات أدوية وسمومًا، وأتقن المصريون التشريح وأدركوا وظائف الأعضاء من خلال تحنيط موتاهم.
وحقق اليونانيون القدامى تقدمًا كبيرًا في علم الأحياء. فخلافًا لشعوب العصور الأخرى، لم يعتقد بعض المفكرين الإغريقيين أن الآلهة والأرواح تسبب الأحداث الطبيعية، وبدلاً من ذلك، تصوروا أن الطبيعة تعمل وفقًا لأنظمة يمكن للناس اكتشافها. وهذا هو الاتجاه الصحيح لأن العلم لايوجد جديدًا ولا يصنعه وإنما يكشف عن موجود أصلاً، أوجده إله واحد ولم توجده آلهة ولا أرواح.
في القرن الخامس قبل الميلاد، صرَّح الطبيب الإغريقي أبقراط أن للأمراض أسبابًا طبيعية فقط. وقد أكد أيضًا على أمر العلاقات الوطيدة بين أجزاء الكائن الحي وبين الكائن الحي وبيئته، ولذا يسمي الغربيون أبقراط ـ أحيانًا ـ أبا الطب الحديث.
وخلال القرن الرابع قبل الميلاد، جمع الفيلسوف الإغريقي أرسطو كمية كبيرة من المعلومات عن النبات والحيوان، وكان واحدًا من أوائل المفكرين الذين صنَّفوا الحيوانات تبعًا لصفاتها المميزة بدلاً من تصنيفها تبعًا لمنفعتها للناس.
وقد جمع بليني الأكبر، العالم الروماني المتخصص في التاريخ الطبيعي الذي عاش خلال القرن الأول الميلادي، كثيرًا من الحقائق عن النباتات والحيوانات ضمنها موسوعته التاريخ الطبيعي التي تبلغ 37 مجلدًا.
وخلال القرن الثاني الميلادي، ساهم جالينوس الطبيب الإغريقي، الذي مارس الطب في روما، مساهمة كبيرة في تقدم علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء. وقد اكتسب الكثير من علمه من معالجة المجالدين (المصارعين) المصابين، وتشريح القِرَدة والخنازير. نمت المعرفة بعلم الأحياء خلال العصور الوسطى نموًا بطيئًا، واستمرت قرابة1000 عام بداية من القرن الخامس الميلادي. ولا ينسى العلم قيام العلماء العرب بجمع، وحفظ، وترجمة، أعمال أبقراط، وأرسطو، وجالينوس، وعلماء قدامى آخرين. وقام العرب أيضًا بمساهمات كبيرة خاصة بهم في علم الأحياء، يأتي في مقدمتهم الرازي وابن سينا وابن النفيس والزهراوي. وقد حاولوا مع غيرهم أن يصلوا إلى المعرفة الصحيحة المبنية على التجارب العلمية والدراسة الميدانية. ومن الذين أسهموا كذلك في علم التاريخ الطبيعي وعلم الحيوان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني المعروف بأبي عثمان الجاحظ، وعبدالملك بن قُريب المعروف بالأصمعي (ت216هـ، 861م)، وكمال الدين محمد بن موسى الدميري الشافعي، المعروف بالدميري (ت 808هـ، 1405م)، وضياء الدين أبو محمد، عبدالله بن أحمد المالقي النباتي والمعروف بابن البيطار، أو العشّاب (ت 646هـ، 1248م) وقد ترجمت أعمالهم جميعًا إلى اللغات الأوروبية.وفي النهاية، وجدت أعمال العلماء الإغريق والعرب القدامى طريقها إلى أوروبا خلال العصور الوسطى، وكانت الثقة في الكُتَّاب القدامى متوافرة، بالرغم من أن أعمالهم تضمنت بعض الأخطاء.عصر النهضة. في الفترة بين أوائل القرن الرابع عشر والقرن السابع عشر الميلاديين، انتشر فكر جديد للبحث عبر أوروبا الغربية. وخلال هذه الفترة المسماة بعصر النهضة، بدأ كثير من خبراء علم التشريح، وعلم وظائف الأعضاء في التصدي لنفوذ الكتَّاب القدامى، وترسخ لديهم الاعتقاد بضرورة الاعتماد على التجريب والملاحظة بدلاً من قبول أفكار القدامى دون تمحيص. وهذا الاتجاه مستفاد في الحقيقة من اتجاه علماء المسلمين إلى المنهج التجريبي والتحقيق العلمي.
وحث التأكيد على الملاحظة على نمو التوجه إلى الطبيعة بدرجة كبيرة والدقة في التوضيح الأحيائي. وخلال أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، رسم الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافينشي مئات اللوحات لجسم الإنسان، التي راعى فيها دقة التفاصيل والتناسب. وبنى ليوناردو أعماله على أساس تشريح الجثث البشرية. ونُشر أول كتاب علمي عن تشريح الإنسان في عام 1543م وكَتَبَ العمل المسمى عن بنية جسم الإنسان، أندرياس فزاليوس، خبير علم التشريح الذي وُلد فيما يُسمى حاليًا بلجيكا. وأسس فزاليوس أعماله ـ كما فعل ليوناردو ـ على التشريحات التي أجراها على الجثث البشرية. صحح هذا الكتاب المزود برسوم إيضاحية وافية بالغة الدقة ونادرة لتشريح الإنسان، الكثير من أفكار جالينوس الخاطئة.
وتوصل وليم هارفي، وهو طبيب إنجليزي، إلى اكتشاف الدورة الدموية الكبرى، الأمر الذي يُعدُّ من أهم الاكتشافات في علم وظائف الأعضاء في القرن السابع عشر. وفي عام 1628م، نشر هارفي نتائج تجاربه موضحًا كيف يدور الدم، الذي يضخه القلب، عبر الجسم. وقد تبين بعد ذلك لمؤرخي العلم أن هارفي انتفع من عمل ابن النفيس العالم العربي الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى قبله بعدة قرون.اكتشافات مبكرة بوساطة المجهر. أدى استعمال المجهر إلى اكتشافات مهمة في علم الأحياء خلال منتصف وأواخر القرن السابع عشر. وفي القرن السابع عشر الميلادي، أصبح عالم تشريح إيطالي يدعى مارسيلو مالبيغي، بمعاونة المجهر، أول شخص يرى حركة الدم عبر الشعيرات. وفي عام 1665م، نشر روبرت هوك، وهو عالم تجريبي إنجليزي، الصور المجهرية، وهو كتاب يحتوي على رسومات تفصيلية لكثير من العينات الأحيائية، كما تمت رؤيتها من خلال المجهر. وتضمن الكتاب الرسومات الأولى للخلايا. وفي منتصف العقد الثامن من القرن السابع عشر، اكتشف أنطون فان ليفنهوك، وهو عالم هولندي غير متخصص، أشكالاً مجهرية للحياة، وبهذا افتتح عالمًا جديدًا للبحث.
أصول التصنيف العلمي. توصل علماء النبات العرب إلى نظام لتسمية النباتات يشبه ما يعرف الآن بالتسمية الثنائية التي بدأها العالم السويدي كارولوس لينيوس عام 1735م؛ فقد أطلقوا على كل نبات كلمتين تشير إحداهما إلى صفة من صفات النبات، وكان ذلك باعثًا لعلماء النبات في أوروبا على استعارة الاسم العربي بعد تطويعه لقواعد اللغة اللاتينية مثل: نبات الصلة الشوكي، واسمه العلمي Zilla Spinosa، ونبات الرتم Retema والحاج Alhaji والقات Catha. كما استعاروا الألفاظ العربية لتدل على اسم النوع في بعض النباتات مثل: العرفط A. arafat والحرمل Peganum harmals والحرجل Solenostelma argel.لقد أثار تصنيف الكائنات الحية تبعًا للتشابه في تركيبها، اهتمام علماء علم التشريح المقارن، أي مقارنة التركيب التشريحي للكائنات الحية المختلفة. وكان الفرنسي البارون كوفييه، رائد علماء التشريح المقارن في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، قد لاحظ أن لدى معظم أنواع الحيوانات نوعًا أو آخر من أنواع الأجسام الأساسية القليلة جدًا. وابتكر نظامًا لتصنيف الحيوانات وفقًا لأنواع الأجسام الأساسية، وهو مازال مستخدمًا في شكل معدَّل. وقد طبَّق كوفييه أيضًا طرق علم التشريح المقارن على مجال آخر، ساعده على تأسيس علم الإحاثة (دراسة الأحافير).

نظرية النشوء والارتقاء. اعتقد معظم علماء الأحياء لفترة طويلة أن كل نوع من أنواع الحياة ظل كما هو دون تغير، ولم تظهر أنواع جديدة منذ خُلِقَ الكون. ولكن بدأ علماء الأحياء يشكون في تلك المعتقدات، خلال أواخر القرن الثامن عشر، فقد لاحظوا أن المزارعين أنتجوا أنواعًا جديدة من النباتات والحيوانات بوساطة التهجين الانتقائي. وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت رحلات الكشوف مجموعات منعزلة من النباتات والحيوانات التي احتوت على أنواع كثيرة، تختلف قليلاً فيما بينها. وتساءل علماء الأحياء عن سبب وجود أنواع كثيرة جدًا مع قليل من الاختلاف. وأدت تلك الملاحظات إلى اعتقاد بعض علماء الأحياء أن الأنواع تتغير بمرور الأزمان وأن بعض الأنواع تطورت (تشكلت تدريجيًا) من أنواع أخرى.
وخلال بداية القرن التاسع عشر، اقترح عدد من علماء الأحياء في الغرب عدة تفسيرات عن كيفية تطور الأنواع. وفي النهاية، توصل عالما التاريخ الطبيعي البريطانيان تشارلز داروين وألفرد رسل والاس ـ كل على حدة ـ إلى نظرية بدت في وقتها أكثر إقناعًا. ولكن داروين قدم أفكاره في كتاب انتشر على نطاق واسع، وأصبح عمله مشهورًا رغم ما فيه من مواضع اعتراض واضحة.

فصَّل داروين نظريته عن النشوء والارتقاء في كتاب أصل الأنواع. ووفقًا لنظرية داروين ـ وحسب زعمه ـ تُولد بعض الكائنات الحية بسمات تساعدها على البقاء على قيد الحياة والتكاثر. ثم تنقل السمات الملائمة للبيئة إلى صغارها. ومن غير المحتمل أن تظل الأعضاء الأخرى للأنواع نفسها ـ التي لديها سمات غير ملائمة ـ على قيد الحياة وتتكاثر. وفي النهاية، تنقرض الأنواع ذات السمات غير الملائمة. لقد افترض داروين أن هناك أنواعًا تتطور كلما ظهرت سمات ملائمة أكثر فأكثر وانتقلت من جيل إلى جيل، وسمى داروين هذه العملية الانتخاب الطبيعي. وهذه النظرية لاقت اعتراضًا من بعض علماء الأحياء وعلماء الدين ولم تثبت كثير من فرضياتها أمام العلم التجريبي.


علم وظائف الأعضاء المادي ونظرية الخلية. بدأ كثير من علماء وظائف الأعضاء في أواخر القرن الثامن عشر في تصور الحياة كمجموعة من العمليات الطبيعية والكيميائية التي تتم داخل الكائن الحي. وبخلاف بعض علماء الأحياء الآخرين، لم يعتقدوا بأن أية قوة روحية أو خارقة للطبيعة توجه الكائنات الحية في تأدية وظائفها. وبدلاً من ذلك، زعموا أن الكائنات الحية ليست أكثر من تركيبات خاصة من المواد، تعمل مثل الآلات، وتسمى هذه الآراء علم وظائف الأعضاء المادي أو علم وظائف الأعضاء المادي الآلي، وهي آراء غير مقبولة من وجهة النظر الإسلامية وقد رفضها أيضًا الكثير من العلماء.طبق أنطوان لافوازيه، الكيمائي الفرنسي، الطرائق التقنية للكيمياء على علم وظائف الأعضاء، في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. شبه لافوازيه التنفس باحتراق الشمعة؛ لأن كلتا العمليتين تستخدمان الأكسجين، وتولدان الحرارة وثاني أكسيد الكربون. وبداية من منتصف القرن التاسع عشر، أدخل عالم وظائف الأعضاء الفرنسي كلود برنارد طريقة جديدة، لفهم علم وظائف الأعضاء المادي. وتصور الأشياء الحية على أنها مجموعات منظمة جدًا من آليات التحكم التي تعمل للحفاظ على الأوضاع الداخلية اللازمة للحياة. وأشار إلى أنه في الثدييات، على سبيل المثال، تُبْقي تلك الآليات حرارة الجسم ثابتة بالرغم من التغيرات الحادثة في الحرارة خارج الكائن الحي.

لقد كان الفهم المتزايد للخلية متوازيًا مع التطورات الحادثة في علم وظائف الأعضاء. وفي نهاية العقد الرابع من القرن التاسع عشر، افترض ألمانيان ـ عالم النباتات ماتياس شلايدن وعالم علم وظائف الأعضاء ثيودور شوان ـ أن الخلية هي الوحدة التركيبية والوظيفية الأساسية لجميع النباتات والحيوانات. وفي عام 1858م، نشر رودلف فيركو ـ وهو عالم ألماني آخر ـ نظريته التي تُرجع جميع الأمراض إلى أمراض الخلية. وتسمى هذه الأفكار في مجموعها نظرية الخلية.
واعتمادًا على علم وظائف الأعضاء المادي ونظرية الخلية، وضع كلٌ من الكيميائي الفرنسي لويس باستير، والطبيب الألماني روبرت كوخ ـ بثبات ـ نظرية جديدة للأمراض خلال منتصف ونهاية القرن التاسع عشر. ومن خلال دراساتهما، أثبت كلٌ من باستير وكوخ ما كان يُسمى نظرية الجراثيم. وطبقًا لهذه النظرية، تسبب كائنات حية مجهرية كثيرًا من الأمراض.
تطور علم الأحياء الحديث. خلال نهاية القرن التاسع عشر، أثارت نظرية داروين عن النشوء والارتقاء كثيرًا من الجدل بين علماء الأحياء بشأن أصل، وطبيعة، وتطور الكائنات الحية. ومع ذلك رفض كثير من علماء الأحياء في بداية القرن العشرين الاعتماد على النظريات والحدس. وبدلاً من ذلك، أكدوا أهمية التجارب المراقبة بدقة، وتطبيق الطرق التقنية الرياضية على علم الأحياء. لقد ساعدت تلك الطريقة في البحث على التوصل إلى توسع هائل للمعرفة بعلم الأحياء، وبخاصة في فهم الأساس الكيميائي والجزيئي للحياة.
تأسس علم الوراثة فرعًا من علم الأحياء، في أوائل القرن العشرين. ثم تطور بصفة رئيسية من التجارب التي أجراها في منتصف القرن التاسع عشر الراهب النمساوي جريجور مندل. وعلى أساس تجاربه، اكتشف مندل أن الصفات الطبيعية المميزة تنتجها الوحدات الوراثية الأساسية، التي تنقل السمات من جيل إلى جيل. وفي نحو عام 1910م، وجد توماس هنت مورجان، وهو عالم أحياء أمريكي، أن الوحدات الوراثية لمندل، التي سميت فيما بعد المورِّثات تقع على بِنْيات تُسمى صبغيات داخل الخلايا، ولاحظ علماء الأحياء في هذا الوقت أيضًا أن التغيرات في السمات الوراثية تتوافق مع تغيرات مرئية في تركيب الصبغيات.
وخلال الأربعينيات من القرن العشرين، وجد علماء الوراثة أن المورثات توجه صنع البروتينات، التي تنظم الخلايا بوساطة عملياتها الكيميائية. وفي عام 1953م، اقترح عالم الأحياء جيمس واطسون من الولايات المتحدة، وعالم الفيزياء فرانسيس كريك من المملكة المتحدة نموذجًا للتركيب الجزئي للحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (د ن أ)، وهي المادة الموجودة في الصبغيات والتي تتحكم في الوراثة. لقد مكنت معرفة تركيب (د ن أ) علماء الأحياء من فهم الأساس الجزيئي لكثير من العمليات الحيوية ويشمل ذلك الوراثة والتغير الوراثي.
وساعد التقدم المفاجئ في علم الوراثة على تغيير توجه علماء الأحياء في الغرب إلى دراسة التطور. وفي الستينيات من القرن العشرين، كان كثير من علماء الأحياء يدرسون علم التطور وفقًا للتغيرات في أنواع وأعداد المورِّثات في مجموعة سكانية معينة.
وأخذ مجال علم البيئة في التطور بقوة في بداية القرن العشرين. وأدرك العلماء منذ عهد بعيد أهمية العلاقة بين الكائنات الحية بعضها مع بعض والعلاقة بين الكائنات الحية وبيئتها. إلا أن تطور علم البيئة، كفرع منفصل من علم الأحياء حدث ـ فقط ـ بعد إدخال طرق تقنية مثل التحليل الإحصائي للأنظمة المعقدة للعلاقات. ومنذ الستينيات من القرن العشرين، أثار الاهتمام بآثار التلوث على البيئة البحث في مجال علم البيئة بدرجة كبيرة.
وحدث أيضًا تقدم كبير خلال القرن العشرين في علم الأعصاب؛ أي دراسة الجهاز العصبي. واكتشف علماء الأعصاب كثيرًا مما يخص كيفية عمل الأعصاب منفردة، وعملها في مجموعات منظمة. وقد زادوا بدرجة كبيرة فهمنا للتفاعلات الكيميائية التي تتم خلال نقل الدفعات العصبية من خلية عصبية إلى أخرى.
الأبحاث والموضوعات الحالية. تُعَدُّ دراسة الجهاز المناعي للإنسان؛ أي الجهاز الدفاعي للجسم ضد الأمراض والمواد الغريبة، إحدى المجالات الطليعية للبحث الأحيائي. ويدرس العلماء الآن كيف تنتج أجسامنا أنواعًا لا نهاية لها من البروتينات المقاومة للأمراض، تُسمى الأجسام المضادة. ويكيَّف كل جسم مضاد خصيصًا لمقاومة إحدى المواد العديدة المسماة المستضدات. واكتشف علماء الأحياء أن الجسم بإمكانه أن ينتج عددًا كبيرًا من الأجسام المضادة المختلفة؛ لأن بعض المورِّثات تُعيد ترتيب نفسها، لإنتاج أجسام مضادة تهاجم مستضدات محددة.
ومنذ الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي، يقوم علماء الأحياء بجمع الأدلة لنظرية بداية الحياة عبر سلسلة من التفاعلات الكيميائية في وقت مبكر من تاريخ الأرض.
وأنتج علماء الأحياء جزيئيات أحيائية معقدة بوساطة التجارب الكيميائية بإمكانها أن تُوجِد ثانية الأحوال التي أعتقد أنها وجدت على الأرض منذ بلايين السنين.
ومنذ السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، بدأ عدد كبير من علماء الأحياء في دراسة فكرة التغيير التطوري الذي يحدث فقط نتيجة لعملية تدريجية. وبدلاً من ذلك، يقبل العلماء فكرة أن التطور يمكن أن ينشأ -أحيانًا- بوساطة تغيرات مفاجئة، تؤدي إلى إحلال نوع مكان نوع آخر. وبالرغم من وجود عدة تساؤلات حول التفاصيل الخاصة بهذه النظرية إلا أن معظم علماء الأحياء ـ خصوصًا في الغرب ـ يقبلون الخطوط العامة لنظرية النشوء والارتقاء. ومع ذلك، يرفض علماء آخرون هذه النظرية، نظرًا لوجود العديد من الثغرات في فهمنا لكيفية تطور أنواع مُعيَّنة من الكائنات الحية.
في أواخر السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، توصل العلماء إلى كيفية نقل مورِّثات من نوع مُعيَّن وإدخالها في نوع آخر. وتُسمى هذه العملية الهندسة الوراثية. وتقدم الهندسة الوراثية العديد من الفوائد الممكنة في مجالات الطب، والصناعة، والزراعة. فعلى سبيل المثال، ينقل العلماء إلى البكتيريا المورثة البشرية التي تنتج الإنسولين وهو هورمون ينظم استخدام الجسم للسكر. وتنتج البكتيريا حينئذ الإنسولين، الذي يمكن أن يستخدم لعلاج الأفراد المصابين بداء السكري. لكن بعض الناس يبدون شكوكهم حول أخلاقيات التدخل في البنية الوراثية للكائنات الحية بوساطة الهندسة الوراثية. لقد سببت الهندسة الوراثية قلقًا لأن إطلاق كائنات حية ناتجة عن الهندسة الوراثية إلى البيئة يمكن أن يحدث آثارًا ضارة. ولهذا السبب، وضع العلماء المشاركون في الهندسة الوراثية قواعد إرشادية للسلامة وللحماية من الانطلاق أو التسرب غير المقصود لمثل هذه الكائنات الحية.
وفي عام 1996م، استطاع بعض العلماء الأسكتلنديين بقيادة عالم الأحياء إيان ولمت إنجاز أول استنساخ ناجح لحيوان من ذوات الثدي من خلايا حيوان بالغ. فقد استطاعوا استنساخ نسيلة لنعجة أطلق عليها اسم دوللي، واحتدم الجدل بعد ذلك حول جدوى الاستنساخ الآدمي.
وكان علماء الوراثة حول العالم قد أطلقوا عام 1990م، برنامجهم الذي عرف باسم مشروع المجين البشري. ويهدف المشروع لإيجاد سلسلة أو نظام لكل المادة المعروفة باسم د ن أ (الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين) في المجين (الجينوم) البشري وجينومات الكائنات الحية الأخرى. ويحتوي الجينوم على كل الجينات (المورثات) في كروموزومات (صبغيات) الخلية. وبنهاية القرن العشرين استطاع علماء مشروع المجين البشري الحصول على سلاسل جينومات لبعض الكائنات الحية مثل الدودة الأسطوانية والخميرة وغيرهما من الكائنات الحية.
 

تعليقات